أشتاتا أشتوت - تعرف على ما معنى اشتاتا اشتوت

تتردد على مسامعنا عبارة "أشتاتا أشتوت" كثيرًا، تارة في مشاهد السينما الكوميدية التي تجسد "الدجالين"، وتارة أخرى في الموروث الشعبي كتعويذة لطرد "الأرواح الشريرة". ورغم شيوعها، يظل معناها غامضًا لدى الغالبية العظمى.

هل هي مجرد كلمات لا معنى لها؟ أم أنها تحمل جذوراً لغوية وتاريخية عميقة؟ في هذا المقال، نغوص في أصل هذه الكلمات لنكشف الحقيقة وراء الأسطورة.

1. الأصل العربي: الدلالة اللغوية والقرآنية

عند البحث في جذور اللغة العربية، نجد أن الشطر الأول من العبارة "أشتاتاً" هو كلمة عربية فصحى ذات دلالة واضحة وعميقة، بينما الشطر الثاني "أشتوت" يحمل تفسيرات أخرى.

أولاً: معنى "أشتاتاً"

مشتقة من الجذر اللغوي (ش ت ت)، وتعني التفرق والتشتت:

  • الشتيت: المتفرق.
  • أشتاتاً: أي متفرقين في جماعات مختلفة أو أحوال متباينة.

ثانياً: الورود في القرآن الكريم

وردت هذه الكلمة بوضوح في سورة الزلزلة في سياق وصف أهوال يوم القيامة، حيث قال الله تعالى:

{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ }

التفسير: أي يخرج الناس من القبور متفرقين؛ فمنهم الشقي ومنهم السعيد، ليرى كل إنسان جزاء عمله. هنا الكلمة لا علاقة لها بالسحر أو الشعوذة، بل هي وصف لحال البشر يوم الحساب.

ثالثاً: ما هي "أشتوت"؟

يرى اللغويون العرب أن "أشتوت" ليست كلمة عربية فصحى، بل هي نتاج ما يسمى بـ "الإتباع اللفظي" أو السجع الذي يستخدمه العامة لإضفاء جرس موسيقي غامض على الجملة. فهي إما تحريف لـ "أشتاتاً" لتأكيد المعنى (التفرق الشديد)، أو كلمة دخيلة من لغة أخرى.

2. الأصل الفارسي: أسطورة الملاك الحارس

تشير الأبحاث التاريخية في علم اللغات القديمة والديانات الفارسية (كالزرادشتية) إلى أن العبارة قد تكون ذات أصل "فارسي" وتم تعريبها واستخدامها في سياق مختلف تماماً.

  • أشتاد (Ashtad): في التقويم الفارسي القديم والديانة الزرادشتية، يُعتقد أن "أشتاد" هو اسم لملاك أو كائن روحي موكل بالعدالة والصدق، وهو الملاك الحارس لليوم السادس والعشرين من كل شهر شمسي.
  • أشتوت: تشير بعض المصادر التاريخية إلى أنها تحريف لاسم أحد الأيام الخمسة المقدسة التي تسبق النوروز (رأس السنة الفارسية).

الخلاصة في هذا السياق: عندما كان الفرس القدماء يرددون هذه الكلمات، كانوا في الواقع يستنجدون بهذا الملاك أو الروح المقدسة لتحرسهم وتدفع عنهم الشرور في أيام الأعياد. ومع مرور الزمن، تحولت هذه الابتهالات القديمة إلى تمائم غامضة فقدت معناها الأصلي.

3. الاستخدام الشعبي: السيكولوجيا وراء "أشتاتا أشتوت"

لماذا يستخدم الناس هذه العبارة حتى اليوم؟

  • الخوف من المجهول: في الثقافة الشعبية، يُعتقد أن الجن والشياطين يكرهون التوحد والاجتماع، لذا يستخدم الناس عبارة مشتقة من "الشتات" والتفرق (أشتاتا) كأمر للشياطين بأن يتفرقوا ويبتعدوا عن المكان.
  • التأثير النفسي: تكرار الكلمات ذات الإيقاع الموسيقي الغريب يمنح الشخص الخائف شعوراً وهمياً بالسيطرة والقوة على العالم غير المرئي.
  • تأثير الدراما: رسخت السينما صورة المشعوذ الذي يطلق البخور ويردد هذه العبارة، مما جعلها ترتبط في ذهن المشاهد العربي بالقدرة على صرف العفاريت.

4. الحكم والتحذير: هل يجوز ترديدها؟

بعد التحقق من المصادر الشرعية والثقافية، يجب التنويه إلى النقاط التالية:

  • الابتعاد عن الشبهات: بما أن العبارة قد تحمل أسماء لآلهة أو ملائكة في ديانات وثنية قديمة، فإن استخدامها كتعويذة قد يدخل في دائرة الاستعانة بغير الله.
  • الخرافة: الاعتقاد بأن مجرد ترديد كلمات غير مفهومة يطرد الأرواح هو نوع من الدجل والخرافة التي لا أصل لها في الدين أو العلم.
  • البديل الصحيح: الحماية والتحصين في الإسلام تكون عبر "المعوذتين"، وآية الكرسي، والأذكار الواضحة المفهومة، وليس عبر طلاسم غامضة.

الخاتمة

في النهاية، تكشف لنا رحلة البحث في أصل "أشتاتا أشتوت" أن الجهل بمعاني الكلمات قد يوقعنا في فخ الخرافة. فبينما يمتلك اللفظ جذوراً لغوية وتاريخية، إلا أن استخدامه الحالي شوّه معناه الحقيقي. لذا، يبقى الوعي والتدقيق هو الحصن الحقيقي للإنسان، بعيداً عن ترديد عبارات غامضة لا تضر ولا تنفع.

نصيحة: حين تسمعها المرة القادمة، تذكر أنها إما دعاء وثني قديم حُرِّف عن مساره، أو تلاعب لفظي لا يملك نفعاً ولا ضراً.

تعليقات